قبلان للمسؤولين: لا تحرقوا البلد
"نؤيّد المبادرات والمساعي الهادفة إلى إعادة ترتيب المنطقة عبر التواصل السعودي - الإيراني والسعودي - السوري"
ألقى المفتي الجعفري الممتاز، الشيخ أحمد قبلان، خطبة عيد الفطر، بعدما أدى صلاة العيد في مسجد الإمام الحسين في منطقة برج البراجنة.
وقدّم قبلان في خطبة العيد مشهدية للواقع السوداوي الذي نعيشه، إذ قال إن “البلد منهار، كوارث لا حدود لها، تفليس شبه شامل، جرائم، فوضى، جوع، بؤس، سرقات، طوابير منكوبة، كيانات انتهازية، احتقار شامل للناس ونهش لودائعها، فساد أخلاقي غير مسبوق، اقتصاد معدوم، لا خدمات حكومية، لا هيبة للدولة، لا قدرة للسلطة، شلل حكومي معيب، مؤسسات انهارت، الليرة انتهت، وحشية مال، تجار أنهوا على كل شيء، وسيطرة كاملة لمستوردي السلع والبضائع والمواد الغذائية والأفران والمحطات وذئاب المصالح القذرة، إذلال لا سابق له للناس أمام المصارف والتعاونيات ومحطات البنزين، في ظل طبقة سياسية عطلت وأفسدت كل شيء، ولا تزال تمارس النهب والنصب والتكاذب على الناس في بلد أفلسوه، ودولة تقاسموها، وشعب حاصروه بالجوع وأغرقوه بالأزمات، فبات فريسة الجرائم التي تجتاح لبنان من أقصاه إلى أقصاه”، بحسب تعبيره.
من هنا، أكد المفتي الجعفري الممتاز أن البقاء بلا حكومة يعني إنهاء البلد “الذي بات بحاجة ماسة إلى حكومة طوارئ، حكومة توقف هذا الانهيار المرعب”، لافتًا إلى أن لا إنقاذ قبل الانتخابات النيابية “التي ستكون مفصلية هذه المرة، وسيختلط فيها الدولي بالإقليمي والمحلي بشكل لا سابق له، فالبلد إقليمياً ودولياً تحت الطاولة وليس فوقها، وحتى لو وُضع فوقها لا تتوقعوا الكثير، لأن لبنان عقدة إقليمية دولية، تتقاطعه أكثر الملفات الحساسة دولياً وإقليميًا”.
من جهة أخرى، رأي قبلان أن المطلوب أميركياً هو “لبنان الضعيف” لا “لبنان القوي”، لبنان المستسلم لا لبنان السيد، لبنان الممنوع من موارده لا لبنان المتمكن من ثروته الغازية والنفطية، “لأن ذلك يعطيه قوة الموقع والنفوذ، وقوة المواجهة، وقوة إفشال كل مشاريع الدمج والتوطين والتطبيع، وهذا ممنوع أميركياً، وعلى قاعدة ما يخدم تل أبيب يخدم واشنطن في لبنان”.
وانطلاقًا من ذلك، رأى أن الأزمة طويلة، “وعلينا أن نتكيف مع وضعية لبنان الجديد، فلبنان القديم انتهى، والمطلوب العمل بهدوء وعقلانية على صيغة حكم سياسي، بعيداً من الطائفية السياسية، لأن الطائفية السياسية سرطان هذا البلد، ويجب الخلاص منها لصالح دولة المواطنة، فهذه فترة عصيبة تفرض علينا أن نتعاون وأن نتضامن وأن نؤكد وحدتنا الوطنية من خلال مشاريع صمود وثبات، اجتماعية وزراعية وصناعية وإغاثية، تتناسب مع الوضع الجديد، لأن خلاصة هدف واشنطن بخصوص لبنان يعني استنزافه تمهيدا لاستسلامه”.
هذا وأوضح قبلان أن حال البلد مرتبط بالوضع الدولي والإقليمي، والحكومة أيضاً رهينة هذه المعادلة وهي جزء منها، “فالمعركة الآن معركة: أي لبنان؟ وأي هوية سياسية؟ وكيف؟ وضمن أي توازنات دولية وإقليمية؟”، بحسب قوله، داعيًا إلى تأمين قوة الداخل والتماسك ووقف السجالات والتحديات والمكايدات، وتابع: “بل أكبر خطوة على طريق الإنقاذ الداخلي تمرّ عبر تشكيل جبهة وطنية يشترك فيها المسلم والمسيحي لمواجهة الاستحقاقات الكبيرة، ومنها الانتخابات النيابية، لأن البلد يعيش لحظة سقوط عامودي، ونحن بأمس الحاجة لأخذ قرارات تاريخية، خاصة على مستوى تنظيف السلطة من الفساد، والخيار الانتخابي هو خيار مفصلي في هذا المجال”.
في المقابل، حذّر قبلان المسؤولين من الرهان على سكوت الناس، “لأنه جمر تحت الرماد”، بحسب تعبيره، “فالوضع الآن حبس أنفاس، وأي خطأ يتعلق بحاجات الناس لن يمر بسلام، فلا تحرقوا البلد بحرق أسعار النفط والغاز والدواء والغذاء”.
وفي الختام، تطرّق قبلان إلى الأحداث الفلسطينية، فقال: “ما يقوم به الصهيوني تجاه القدس وغزة جريمة حرب سيتبعها ندامة، وما يجري في فلسطين له ارتباط شديد بالمنطقة وميزانها وتسوياتها”، مؤكدًا أن “زمن الرعب الإسرائيلي قد انتهى، والمعادلة اليوم حركات مقاومة حولت تل أبيب إلى كيان مطوق بالصواريخ الثقيلة، وترسانة تنتظر لحظة حسم استراتيجي على مستوى المنطقة”.
وفي سياق متصل، أيّد المفتي الجعفري الممتاز المبادرات والمساعي الهادفة إلى إعادة ترتيب المنطقة عبر التواصل السعودي – الإيراني، والسعودي – السوري، “الذي نأمل أن يتعزز ويتكرس تقاربًا وتعاونًا تامًا بين دول المنطقة وشعوبها، وهذا ما كنا ندعو إليه ونطالب به اليوم قبل غد، لأن ضمان المنطقة واستقرارها لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تسوية تاريخية بين طهران والرياض”، مشيرًا إلى أن المعادلة الأكيدة اليوم وغدًا، هي أن “زمن واشنطن وتل أبيب كقوة هيمنة في الشرق الأوسط إلى زوال متعرج، وهذا ما يجب أن تأخذه دول المنطقة في الاعتبار”